الأربعاء سبتمبر 22, 2021 3:55 am
العَادَةُ: كلُّ ما اعتيد حتى صار يُفعل من غير جهد، أو هي: الحالةُ تتكرَّر على نهج واحد.
وللعادة أثرٌ لا يخفى في ثقافة المجتمع وأخلاقه؛ ممّا ينعكس إيجاباً أو سلباً بشكلٍ كبيرٍ عليه وعلى سيْره وسيرته.
والعادات مُكتسبة ومُستنسخة ومُتوارثَة، فجزءٌ كبيرٌ منها يُعدّ مُحاكاة للآخر، وصولاً إلى التطبّع بطبيعته في أمرٍ من الأمور أو مجالٍ من المجالات، وهذا يدلّ على أمرين:
الأول: أن بين العادة والتقليد توافق واتصال، فمع الزمن تصبح العادة تقليداً، بينما التقليد يصير مع الزمن أيضاً عادة يتعوّد عليها المرء أو المجتمع.
الثاني: أن إفراز العادات تأتي من طبيعة الحياة الاجتماعية، فالإنسان كائنٌ متفاعلٌ مع من حوله، ومن هنا كان لا بدّ أن يؤثّر ويتأثر، وعلى ذلك تجد بعض العادات قد بدأها شخصٌ واحدٌ في المجتمع؛ ثم حاكاها غيره حتى تأصّلت وتجذّرت وانتشرت وتم الاعتياد عليها، وهكذا يكون ترسّخها في النفس والمجتمع، فالتكرار وعامل الزمن أمران مهمّان في تثبيت العادة وانتشارها، حتى تصل أحياناً إلى مرحلة اللّاعودة، وتكتسب قداسة؛ بحيث تصبح جزءاً لا يمكن انفصاله من ذات الشخص وكيان المجتمع، لهذا تجد عادات بعض الشعوب قد مرّ عليها مئات السنين ولا تزال كما هي، باقية ببقائهم.
بعض العادات قد تبدأ بشكلٍ عادي وطبيعي، بل قد تأتي على سبيل تجربة الجديد، أو تأتي فضولاً ممن ابتدأها وقام بها، وقد يُهاجم أول الأمر أو يُصدّ أو يُنظر إليه بشكلٍ غير طبيعي، وقد يُرمى بالغرابة والجنون وما شابه، ولكنها ما تلبث أن تشقّ طريقها –بالتكرار كما أسلفنا-نحو التأصّل، حتى يصبح صاحبها (الغريب) بطلاً مُشرّعاً، ويصل الأمر بالعادة في حياة المجتمع ومفرداته إلى أن يُنبَذ كل من يخالف تلك العادة أو ينال منها، ويُنظر إليه هو كــغريب، وهكذا يكون الحال في سُلّم تطوّر العادة في النفوس والمجتمعات.
وحيث تكون العادة جزءاً من هوية الشخص والمجتمع؛ فإنها بذلك تكتسب أهمية بالغة، وتُحاط بهالةٍ قدسيّة لا يمكن المساس بها، حتى تصير التضحية بالنفس والنفيس في سبيل الحفاظ عليها مصونةً ومن أهمّ المهمّات في المجتمع وأفراده.
لا شكّ أن الحياة العصرية بما فيها من وسائل تتطوّر بشكلٍ آنيّ في كل لحظة؛ تؤثّر بشكلٍ أو بآخر في عادات الناس والمجتمعات، وقد يكون تأثيرها إيجابياً أو سلبياً بحسب ما يؤمن به الفرد والمجتمع وما يراه مهمّاً في شخصه وحياته ونسيجه، ولكن المهم أنها مؤثّرة وبدرجة ملحوظة، ففي نتائج استطلاع للرأي حول موضوع تأثير العادات والتقاليد على حياة الشباب المصري لصالح برنامج شباب توك في 2015، بسؤالهم: هل يعيش الشباب المصري ازدواجية بسبب التقاليد والعادات؟ أجاب 85% بأن هناك هوّة بين العادات والتقاليد والحياة العصرية للشباب في مصر، في مقابل 11% أجاب بعدم وجود هوّة في الأمر، بينما كانت إجابة 4% لا أعرف.
وأعتقد أن من أهم أسباب بقاء العادة في المجتمع: (التكرار والتقليد وخوف التغيير ومراقبة الآخر)، فهذه عوامل تسيّج العادة بسياجٍ يحمي وجودها ويطيل أمدها.
وبالكلام عن أنواع العادات؛ نجد أن هناك عادات إيجابية مرتبطة بالأخلاق الحميدة ومتصلة بالعقيدة السليمة والدين القيم الحنيف، وتُعد مُعينةً على المروءة، ومُساهمة في غرس القيم الفاضلة في الأفراد والمجتمعات، وهذه ممّا يشجّع عليها الدين ويحميها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول «إنما بُعِثتُ لأتمّ صالح الأخلاق» (صحيح أبي داود 404).
وهناك عادات تُعد من قبيل المُباح، لا فيها أمرٌ ولا عنها نهي، وهي ما كانت غير متّصلة بالعقائد والعبادات والمعاملات، وليس فيها ضرر على أحد، وهناك العادات السلبية وحكمها معروف في الشرع، وأخطر الأنواع هي العادات التي تكون في نظر بعض المجتمعات أو الأفراد من قبيل الحقّ والجودة التي لا ينبغي الكلام فيها ولا المراجعة ولا السؤال، وهنا نشير إلى وجود فرقٍ مهمّ قد لا يدركه المتعوّدون خاصّة، وهو مراجعة ميزان تلك العادة والنظر في معاييرها ومقاييسها؛ إذ قد تكون مُحاطة بوهمٍ كبيرٍ من الأهمية، وميزانٍ مُختلّ ليس فيه صرفٌ ولا عدل، إلى درجة لا يجوز فيها السؤال عنها، ولأجلها يُسدّ فم الصغير والكبير، حتى ينشأ الطفل وهو لا يعرف عنها إلّا أنّها (عيب)، فلا يمكن أن يفكر في هتْك ستار ذلك العيب، أو التعرّض لما يمكن أن يجعله في دائرة الاتهام أو العزلة أو العقاب، لهذا لا تكاد تجد إنساناً عاقلاً يسير حسْب ما هو مُتّفقٌ عليه في المجتمع بغضّ الطرْف عن صحّته من غيرها، بل لا بدّ أن يراجع نفسه، ويعيد النظر فيما قد يُفرض عليه أو يجده كذلك، حتى يصل إلى نتيجةٍ ترضي عقله ويطيب بها خاطره الذي حفّزته إليه قواه العقلية وتفكيره، حتى إنك لَتجد لهذه الفئة مميّزات في نمط شخصيّتها يختلف تماماً عمّن يسير خلف القوم بلا وعيٍ أو حساب، وهؤلاء حقيقة هم من يغيّرون الواقع المُعتاد، ويخرقون العادات المفروضة، وفي هذا يقول صاحب الأذكياء: "يسْتَدلّ على عقل الْعَاقِل بسكوته وسكونه، وخفض بَصَره وحركاته فِي أماكنها اللائقة بهَا، ومراقبته للعواقب؛ فَلَا تستفزه شَهْوَة عاجلة عقباها ضَرَر، وتراه ينظر فِي الفضاء فَيتَخَيَّر الْأَعْلَى والأحمد عَاقِبَة من مطعم ومشرب وملبس وَقَول وَفعل، وَيتْرك مَا يخَاف ضَرَره، ويستعد لما يجوز وُقُوعه" الأذكياء لابن الجوزي.
ولهذا لا تكاد تجد عبقرياً في علمٍ من العلوم إلا وتجد مسيرته خاليةً من أسْرِ العادة وما تعوّد عليه أغلب المجتمع ورسخ في أذهانهم من قناعاتٍ حدّدت أماكنهم التي بقوا فيها وماتوا عليها.
وفي الحقيقة؛ مجرّد التغيير في نمط الحياة الشخصية أو الاجتماعية على مستوى الفرد أو المجموعة يُعدّ أمراً له أهمّية مُعتبرة، قد يصل إلى درجة (الثورة) على الواقع، أو على العقل، أو على الذات، لأنك ستُدخِل إلى الحياة شيئاً جديداً لم تعهده من قبل، أو تُخِرج منها شيئاً لم تفارقه من قبل، وهنا يكمن التحدّي، وتتحدّد درجة الخطوة ومستوى المواجهة.
إن ممّا يعين في القضاء على عادةٍ من العادات، أو يعين على تثبيتها هي القيم التي يتحلّى بها الفرد أو المجتمع، ودرجة قوّتها من ضعفها، وصوابها من انحرافها، بالإضافة إلى مدى ثقافة أهلها، فذلك كلّه يحدّد أمراً مهمّاً في سبيل معرفة ذلك؛ وهو مدى تقبّل صاحب العادة للنقاش في عاداته أو في إعادة النظر فيها، أو في سماع وجهة النظر الأخرى، ثم مدى استعداده للتغيير نحو الأفضل، وتقبُّل النتيجة التي يصل إليها أيّاً كانت، فإمّا أن يبقى مقتنعاً بما هو عليه، وناظراً إليه كموروثٍ مُقدّسٍ لا يجوز المساس به، وإمّا أن يوقن بأن كل شيءٍ من هذا القبيل قابلٌ للمراجعة، ويفعل ما يُمليه عليه دينه وعقله وفطرته
وللعادة أثرٌ لا يخفى في ثقافة المجتمع وأخلاقه؛ ممّا ينعكس إيجاباً أو سلباً بشكلٍ كبيرٍ عليه وعلى سيْره وسيرته.
والعادات مُكتسبة ومُستنسخة ومُتوارثَة، فجزءٌ كبيرٌ منها يُعدّ مُحاكاة للآخر، وصولاً إلى التطبّع بطبيعته في أمرٍ من الأمور أو مجالٍ من المجالات، وهذا يدلّ على أمرين:
الأول: أن بين العادة والتقليد توافق واتصال، فمع الزمن تصبح العادة تقليداً، بينما التقليد يصير مع الزمن أيضاً عادة يتعوّد عليها المرء أو المجتمع.
الثاني: أن إفراز العادات تأتي من طبيعة الحياة الاجتماعية، فالإنسان كائنٌ متفاعلٌ مع من حوله، ومن هنا كان لا بدّ أن يؤثّر ويتأثر، وعلى ذلك تجد بعض العادات قد بدأها شخصٌ واحدٌ في المجتمع؛ ثم حاكاها غيره حتى تأصّلت وتجذّرت وانتشرت وتم الاعتياد عليها، وهكذا يكون ترسّخها في النفس والمجتمع، فالتكرار وعامل الزمن أمران مهمّان في تثبيت العادة وانتشارها، حتى تصل أحياناً إلى مرحلة اللّاعودة، وتكتسب قداسة؛ بحيث تصبح جزءاً لا يمكن انفصاله من ذات الشخص وكيان المجتمع، لهذا تجد عادات بعض الشعوب قد مرّ عليها مئات السنين ولا تزال كما هي، باقية ببقائهم.
بعض العادات قد تبدأ بشكلٍ عادي وطبيعي، بل قد تأتي على سبيل تجربة الجديد، أو تأتي فضولاً ممن ابتدأها وقام بها، وقد يُهاجم أول الأمر أو يُصدّ أو يُنظر إليه بشكلٍ غير طبيعي، وقد يُرمى بالغرابة والجنون وما شابه، ولكنها ما تلبث أن تشقّ طريقها –بالتكرار كما أسلفنا-نحو التأصّل، حتى يصبح صاحبها (الغريب) بطلاً مُشرّعاً، ويصل الأمر بالعادة في حياة المجتمع ومفرداته إلى أن يُنبَذ كل من يخالف تلك العادة أو ينال منها، ويُنظر إليه هو كــغريب، وهكذا يكون الحال في سُلّم تطوّر العادة في النفوس والمجتمعات.
وحيث تكون العادة جزءاً من هوية الشخص والمجتمع؛ فإنها بذلك تكتسب أهمية بالغة، وتُحاط بهالةٍ قدسيّة لا يمكن المساس بها، حتى تصير التضحية بالنفس والنفيس في سبيل الحفاظ عليها مصونةً ومن أهمّ المهمّات في المجتمع وأفراده.
لا شكّ أن الحياة العصرية بما فيها من وسائل تتطوّر بشكلٍ آنيّ في كل لحظة؛ تؤثّر بشكلٍ أو بآخر في عادات الناس والمجتمعات، وقد يكون تأثيرها إيجابياً أو سلبياً بحسب ما يؤمن به الفرد والمجتمع وما يراه مهمّاً في شخصه وحياته ونسيجه، ولكن المهم أنها مؤثّرة وبدرجة ملحوظة، ففي نتائج استطلاع للرأي حول موضوع تأثير العادات والتقاليد على حياة الشباب المصري لصالح برنامج شباب توك في 2015، بسؤالهم: هل يعيش الشباب المصري ازدواجية بسبب التقاليد والعادات؟ أجاب 85% بأن هناك هوّة بين العادات والتقاليد والحياة العصرية للشباب في مصر، في مقابل 11% أجاب بعدم وجود هوّة في الأمر، بينما كانت إجابة 4% لا أعرف.
وأعتقد أن من أهم أسباب بقاء العادة في المجتمع: (التكرار والتقليد وخوف التغيير ومراقبة الآخر)، فهذه عوامل تسيّج العادة بسياجٍ يحمي وجودها ويطيل أمدها.
وبالكلام عن أنواع العادات؛ نجد أن هناك عادات إيجابية مرتبطة بالأخلاق الحميدة ومتصلة بالعقيدة السليمة والدين القيم الحنيف، وتُعد مُعينةً على المروءة، ومُساهمة في غرس القيم الفاضلة في الأفراد والمجتمعات، وهذه ممّا يشجّع عليها الدين ويحميها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول «إنما بُعِثتُ لأتمّ صالح الأخلاق» (صحيح أبي داود 404).
وهناك عادات تُعد من قبيل المُباح، لا فيها أمرٌ ولا عنها نهي، وهي ما كانت غير متّصلة بالعقائد والعبادات والمعاملات، وليس فيها ضرر على أحد، وهناك العادات السلبية وحكمها معروف في الشرع، وأخطر الأنواع هي العادات التي تكون في نظر بعض المجتمعات أو الأفراد من قبيل الحقّ والجودة التي لا ينبغي الكلام فيها ولا المراجعة ولا السؤال، وهنا نشير إلى وجود فرقٍ مهمّ قد لا يدركه المتعوّدون خاصّة، وهو مراجعة ميزان تلك العادة والنظر في معاييرها ومقاييسها؛ إذ قد تكون مُحاطة بوهمٍ كبيرٍ من الأهمية، وميزانٍ مُختلّ ليس فيه صرفٌ ولا عدل، إلى درجة لا يجوز فيها السؤال عنها، ولأجلها يُسدّ فم الصغير والكبير، حتى ينشأ الطفل وهو لا يعرف عنها إلّا أنّها (عيب)، فلا يمكن أن يفكر في هتْك ستار ذلك العيب، أو التعرّض لما يمكن أن يجعله في دائرة الاتهام أو العزلة أو العقاب، لهذا لا تكاد تجد إنساناً عاقلاً يسير حسْب ما هو مُتّفقٌ عليه في المجتمع بغضّ الطرْف عن صحّته من غيرها، بل لا بدّ أن يراجع نفسه، ويعيد النظر فيما قد يُفرض عليه أو يجده كذلك، حتى يصل إلى نتيجةٍ ترضي عقله ويطيب بها خاطره الذي حفّزته إليه قواه العقلية وتفكيره، حتى إنك لَتجد لهذه الفئة مميّزات في نمط شخصيّتها يختلف تماماً عمّن يسير خلف القوم بلا وعيٍ أو حساب، وهؤلاء حقيقة هم من يغيّرون الواقع المُعتاد، ويخرقون العادات المفروضة، وفي هذا يقول صاحب الأذكياء: "يسْتَدلّ على عقل الْعَاقِل بسكوته وسكونه، وخفض بَصَره وحركاته فِي أماكنها اللائقة بهَا، ومراقبته للعواقب؛ فَلَا تستفزه شَهْوَة عاجلة عقباها ضَرَر، وتراه ينظر فِي الفضاء فَيتَخَيَّر الْأَعْلَى والأحمد عَاقِبَة من مطعم ومشرب وملبس وَقَول وَفعل، وَيتْرك مَا يخَاف ضَرَره، ويستعد لما يجوز وُقُوعه" الأذكياء لابن الجوزي.
ولهذا لا تكاد تجد عبقرياً في علمٍ من العلوم إلا وتجد مسيرته خاليةً من أسْرِ العادة وما تعوّد عليه أغلب المجتمع ورسخ في أذهانهم من قناعاتٍ حدّدت أماكنهم التي بقوا فيها وماتوا عليها.
وفي الحقيقة؛ مجرّد التغيير في نمط الحياة الشخصية أو الاجتماعية على مستوى الفرد أو المجموعة يُعدّ أمراً له أهمّية مُعتبرة، قد يصل إلى درجة (الثورة) على الواقع، أو على العقل، أو على الذات، لأنك ستُدخِل إلى الحياة شيئاً جديداً لم تعهده من قبل، أو تُخِرج منها شيئاً لم تفارقه من قبل، وهنا يكمن التحدّي، وتتحدّد درجة الخطوة ومستوى المواجهة.
إن ممّا يعين في القضاء على عادةٍ من العادات، أو يعين على تثبيتها هي القيم التي يتحلّى بها الفرد أو المجتمع، ودرجة قوّتها من ضعفها، وصوابها من انحرافها، بالإضافة إلى مدى ثقافة أهلها، فذلك كلّه يحدّد أمراً مهمّاً في سبيل معرفة ذلك؛ وهو مدى تقبّل صاحب العادة للنقاش في عاداته أو في إعادة النظر فيها، أو في سماع وجهة النظر الأخرى، ثم مدى استعداده للتغيير نحو الأفضل، وتقبُّل النتيجة التي يصل إليها أيّاً كانت، فإمّا أن يبقى مقتنعاً بما هو عليه، وناظراً إليه كموروثٍ مُقدّسٍ لا يجوز المساس به، وإمّا أن يوقن بأن كل شيءٍ من هذا القبيل قابلٌ للمراجعة، ويفعل ما يُمليه عليه دينه وعقله وفطرته