الثلاثاء مايو 28, 2019 10:33 pm
بالدخول على الاسم الظاهر ، كما تخصص بالنكرة الموصوفة كمثل قولنا (رب
رجلٍ كريم ) ، وقد تجر ضمير غيبة مميزاً بنكرة ، ولا يكون هذا الضمير إلا
مفسراً بتمييز بعده مطابق للمعنى مثل ( رب رجلاً لقيته ).
فهي إذا ً لا تؤدي المعنى الذي يقتضيه الجر في العربية ؛ ولكنها مع ذلك
تؤثر في الاسم الذي بعدها فتجره ، وتعربه بعلامات مقدر منع من ظهورها
اشتغال المحل بحركة حرف الجر الشبيه الزائد ، وهذا لأن محل الإعراب لا
يتحمل علامتين في وقت واحد ، فنقول ( ربَّ ضارة نافعةٌ ) فرب : حرف جر شبيه
بالزائد.وضارة : مبتدأ مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة
حرف الجر الشبيه بالزائد .
هذا ما هو معروف عندنا حول رب حرف الجر الشبيه بالزائد ، لكن ما هي وجهة
نظر نحاة البصرة والكوفة حول ذلك ؟ هل هم يجمعون على أن رب حرف يعمل بنفسه
أو بالواو التي تسبقه ؟
ذهب الكوفيون إلى أن واو رب تعمل في النكرة الخفض بنفسها، وإليه ذهب أبو
العباس المبرد من البصريين ، وذهب البصريون إلى أن واو رب لا تعمل وإنما
تعمل رب مقدرة .
فنحن الآن أمام خيارين ، لا نستطيع أن نأخذ بأي منهما إلا بعد أن نناقش
الآراء التي دعت كل مذهب للقول بعمل واو رب من عدمه ، فالكوفيون يعللون على
صحة رأيهم بأنهم إنما قالوا : الواو هي العاملة ؛لأنها نابت عن رب ، وهي
تعمل الخفض ، وكذلك الواو لنيابتها عنها ، وصارت كواو القسم فإنها لما نابت
عن الباء عملت الخفض كالباء ، وكذلك الواو هاهنا لما نابت عن الباء عملت
الخفض كما تعمل رب ، والذي يدل على أنها عاطفة هو أن حروف العطف لا يجوز
الابتداء بها ، ونحن نرى الشاعر يبتدي بالواو في أول القصيدة كقوله :
وبلدةٍ عاميةٌ أعمارهُ
فالكوفيون عللوا لصحة رأيهم ، ولكن أظن تعليلهم لم يكن دقيقا خصوصاً أنهم
أجزموا على أن حروف العطف لا يبتدى بها ، وهذا جعلني أتساءل عن الواو التي
ترد دائما في بداية الكلام ونحن نعتبرها حرف عطف .
أما البصريون فاحتجوا بأن قالوا إنما قلنا إن واو رب ليست عاملة وإن العمل
لرب مقدرة ؛ وذلك لأن الواو حرف عطف ، وحروف العطف لا تعمل شيئاً ، لأن
الحرف إنما يعمل إذا كان مختصاً، وحروف العطف غير مختصة ، فوجب أن لا تكون
عاملاً ، وإذا لم يكن عاملاً وجب أن يكون العامل رب مقدرة ، والذي يدل على
أنها واو العطف وأن رب مضمرة بعدها، أنه يجوز ظهورها معها نحو قولنا (
وربَّ بلدٍ ) ، والذي يدل على أن هذه الأحرف ( الواو والفاء وبل ) ليست
نائبة عن رب ولا عوضاً عنها أنه يحسن ظهورها معها؛ فيقال ( وربَّ بلدٍ )
(وبل ربَّ بلدٍ ) (وربَّ حورٍ) ، ولو كانت عوضاً عنها لما جاز ظهورها معها
؛لأنه لا يجوز أن يجتمع بين العوض والمعوض ، ألا ترى أن واو القسم لما كانت
عوضاً عن الباء لم يجز أن يجمع بينها فلا يقال ( وبالله لأفعلن )، وتجعلها
حرف قسم ، وكذلك أيضاً التاء لما كانت عوضاً من الواو كما كانت الواو
عوضاً من الباء لم يجمع بينهما ، فلا يقال (وتالله ) وتجعلها حرف قسم لأنه
لا يجوز أن نجمع بين العوض والمعوض ، فأما قوله تعالى {وَتَاللَّهِ
لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم }الأنبياء57 فالواو فيه واو عطف ، وليست واو قسم
، فلم يمنع أن تجمع بينها وبين تاء القسم ، فلما جاز الجمع بين الواو ورب
دل على أنها ليست عوضاً عنها بخلاف واو القسم وأنها واو عطف ، وقولهم ــــ
أي الكوفيين ــــ إن حرف العطف لا يجوز الابتداء به ، فنحن نرى الشاعر
يبتدي بالواو في أول القصيدة بقوله
وبلدةٍ عاميةٌ أعمارهُ
فنقول هذه الواو واو عطف ،وإن وقعت في أول القصيدة ؛ لأنها في التقدير
عاطفة على كلام مقدر كأنه قال رب قفر طامس أعلامه سلكته ،وبلد عامية أعماره
قطعته ،أي يصف نفسه بركوب الأخطار وقطع المفاوز والقفار ، إشعاراً بشهامته
وشجاعته .
فإذاً قد ثبت ما ذكرناه أنها حروف عطف ، وينبغي أن لا تكون عاملة ، وهذا يدل على أن النكرة بعدها مجرورة بتقدير رب ...