الخميس مارس 07, 2024 1:25 pm
وصف الكعبة، تعد الكعبة المشرفة مربعة البنيان في وسط المسجد، ارتفاعها من الأرض سبعة وعشرون ذراعا، وعرض الجدار وجهها الآن أربعة وعشرون ذراعا
وأما صفة الكعبة فاعلم أن الكعبة البيت الحرام مربعة البنيان في وسط المسجد، ارتفاعها من الأرض سبعة وعشرون ذراعًا، وعرض الجدار وجهها الآن أربعة وعشرون ذراعًا، وهو الذي فيه بابها، وعرض مؤخرها مثل ذلك، وعرض جدارها الذي يلي اليمن، وهو فيما بين الركن اليماني والركن العراقي، وهو الذي فيه الحجر عشرون ذراعًا، وإلى وسط هذا الجدار كان يصلي النبي قبل هجرته إلى المدينة، وعرض جدارها الذي يلي الشام وهو الذي فيما بين الركن الشامي والركن الغربي أحد وعشرون ذراعًا، وميزاب الكعبة على وسطه يسكب في الحجر، ومن أصل هذا الجدار إلى أقصى الجدار ستة عشر ذراعًا، وعرض باب الحجر الشامي خمسة أذرع إلا شيء يسير، وعرض بابه الغربي ستة أذرع إلا شيء يسير، وجدار الحجر مدور من بابه الشامي إلى بابه الغربي كالطيلسان وعرضه ذراع، وارتفاعه من الأرض أربعة أشبار، والحجر الأسود في الركن العراقي المقابل لزمزم، وهو سبعة أشبار من الأرض، وباب الكعبة على أربعة أذرع من الأرض وعلوه ستة أذرع، وعرضه أربعة أذرع، وما بين الباب والحجر الأسود أربعة أذرع، ويسمى ذلك الموضع الملتزم؛ لأن رسول الله حين فرغ من طوافه التزمه ودعا فيه، ثم التفت فرأى عمر فقال:"ها هنا تسكب العبرات".
ومن الباب إلى مصلى آدم حين فرغ من طوافه وأنزل الله عليه التوبة(وهو موضع الخلوق ومن أزار الكعبة أرجح من سبعة أذرع)، وكان هناك موضع مقام إبراهيم، وصلى النبي عنده حين فرغ من طوافه ركعتين، وأنزل الله عليه:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}[البقرة: 125]. ثم نقله إلى الموضع الذي هو فيه الآن وذلك على عشرين ذراعًا من الكعبة؛ لئلاّ ينقطع الطواف بالمصلين خلفه، أو يترك الناس الصلاة خلفه لأجل الطواف حين كثر الناس، وليدور الصف حول الكعبة، ويُرى الإمام من وجهه، ثم حمله السيل في أيام عمر، وأخرجه من المسجد، فأمر عمر برده إلى موضعه الذي وضعه فيه رسول الله. وبين موضع الخلوق، وهو مصلى آدم وبين الركن الشامي ثمانية أذرع، ومن الركن الشامي إلى اللوح المرمر المنقوش في الحجر الذي بنى هناك ابن الزبير ركن البيت، وهو على قواعد إبراهيم تسعة أذرع، وفيما بين الحجر إلى مقام إبراهيم خمسة وعشرون ذراعًا، ويسمي ذلك الحطيم؛ لأنه يحطم الذنوب، أي يسقطها، وقيل: لأنه حطم من البيت، وقيل: لأن من حلف هناك كاذبًا انحصم دينه ودنياه. وما بين الركن العراقي وهو الذي فيه الحجر الأسود إلى مصلى النبي قبل هجرته إلى المدينة عشرة أذرع، وكان يستقبل بيت المقدس ويجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس؛ ولهذا لم يبنِ توجهه إلى بيت المقدس إلا لما هاجر إلى المدينة، وبين الركن اليماني وبين المسدود في ظهر الكعبة أربعة أذرع، ويسمي ذلك الموضع المستجار من الذنوب، وعرض الباب خمسة أذرع، وارتفاعه سبعة أذرع، وبينه وبين الركن الغربي ثلاثة عشر ذراعًا، وبين الركن الغربي وآخر قواعد إبراهيم -وهناك اللوح المرمر المنقوش- أزيد من سبعة أذرع، وإلى هناك بناء ابن الزبير، وقد قدمنا أن ارتفاع الكعبة سبعة وعشرون ذراعًا.
صفة المسجد الحرام المحيط بالكعبة
وأما صفة المسجد الحرام المحيط بالكعبة، فنقول: قد ذكر الأزرقي والماوردي والسهيلي -وفي كلام بعضهم زيادة على بعض-: كان المسجد الحرام، أعني المحيط بالكعبة، فناء لها وفضاء للطائفين، ولم يكن له على عهد رسول الله وأبي بكر جدار يحيط به، فضيق الناس على الكعبة، وألصقوا دورهم بها، وكانت الدور محدقة بالكعبة، وبين الدور أبواب يدخل الناس من كل ناحية، فلما استخلف عمر، وكثر الناس، قال: (لا بد لبيت الله من فناء، وإنكم دخلتم عليه ولم يدخل عليكم).فوسّع المسجد، واشترى تلك الدور وهدمها، وزاد في المسجد.
واتخذ للمسجد جدارًا قصيرًا دون القامة، وكانت القناديل توضع عليه، وكان عمر أول من اتخذ الجدار للمسجد الحرام.
ثم لما استخلف عثمان ابتاع منازل ووسعه بها، وبنى الأروقة للمسجد، فيما ذكر الأزرقي والماوردي وغيرهما.
ثم إن ابن الزبير زاد في المسجد زيادة كبيرة واشترى دورًا من جملتها بعض دار الأزرق، اشترى ذلك البعض ببضعة عشر ألف دينار وجعل فيها عمدًا من الرخام، ثم عمره عبد الملك بن مروان ولم يزد فيه، ولكن رفع جداره وجلب إليه السواري في البحر إلى جُدَّة، وسقّفه بالساج، وعمّره عمارة حسنة، ثم وسّع ابنه الوليد وحمل إليه أعمدة الحجارة والرخام، ثم زاد فيه المنصور، وجعل فيه أعمدة الرخام، وزاد فيه المهدي مرتين: إحداهما سنة ستين ومائة، والثانية سبع وستين ومائة، وفيها توفي المهدي، واستقر بناؤه إلى الآن.
وصف الرواق المحيط بالكعبة
وأما الرواق فنقول: إن له سقفين أحدهما فوق الآخر، وبينهما فرجة قدر الذراعين، أو نحوهما، فأما الأعلى منه فرش بالدوم اليماني، وأما الأسفل منهما، فهو مسقوف بالساج مزخرف بالذهب، وعدد أساطينه -وذلك من الرخام والحجر الأبيض، سوى ما جدد إلى دار الندوة وسوق الحيطة- أربعمائة وأربع وثمانون أسطوانة، بين كل أسطوانتين ستة أذرع، منها إلى الجانب الشرقي الذي يلي المسعى مائة أسطوانة وثلاث أساطين، وفي الجانب الشمالي مما يلي الصفا مائة أسطوانة وإحدى وأربعون أسطوانة، وفي الجانب الغربي مائة أسطوانة وخمس أساطين، وفي الجانب الشامي الذي فيه دار الندوة مائة وخمس وثلاثون أسطوانة، وفي وسط هذا الشق أو نحوه الذي يلي المسجد سارية خمس أساطين، ذكر أنها كانت ليهودية، فسامها النبي فيها، فأبت بيعها إلا بوزنها ذهبًا، ففعل النبي ذلك، فوضعت في ميزان ووضع مثقال واحد، فرجح المثقال ببركة رسول الله ، منها على باب المسجد اثنتان وعشرون، ومن ناحية المسجد ست، ومن ناحية الوادي والصفا عشر، ومن ناحية بني جمح أربع، ومن ناحية دار الندوة اثنتان، وفي دار الندوة سوى ما ذكرناه سبع وستون أسطوانة بالحجارة مبيضة، وطول كل أسطوانة منها عشرة أذرع، وتدويرها ثلاثة أذرع، وذرع ما بين كل أسطوانتين ستة أذرع ونصف، وعدد طاقاته -وهي الحنايا المعقودة على الأساطين أربعمائة طاق وثماني وتسعون طاقًا، سوى ما في دار الندوة، وذرع المسجد الحرام من باب بني جمح إلى باب العباس الذي عند العلم الأخضر -ويعرف بباب بني هاشم- أربعمائة ذراع وأربعة أذرع، وعرضه ما بين دار الندوة إلى باب الصف ثلاثمائة ذراع وأربعة أذرع، وذرع ما بين وسط جدار الكعبة الشرقي الذي يلي المسعى مائتا ذراع وثلاثة عشر ذراعًا، ومن وسط جدار الكعبة الغربي إلى جدار المسجد الغربي الذي يلي بني جمح مائة ذراع وتسعة وتسعون ذراعًا، ومن وسط جدار الكعبة الجنوبي إلى جدار المسجد الذي يلي الوادي مائة ذراع وأحد وأربعون ذراعًا، ومن وسط جدار الكعبة الشمالي الذي يلي الحجر إلى جدار المسجد الذي يلي دار الندوة مائة ذراع وتسعة وثلاثون ذراعًا، ومن ركن الكعبة العراقي -ويقال له الشامي- إلى المنارة التي تلي المروة مائتا ذراع وأربعة وستون ذراعًا، ومن ركن الكعبة الشامي -ويقال له الغربي- إلى المنارة التي تلي باب بني سهم -وهو باب العمرة- مائتا ذراع وثمانية عشر ذراعًا، ومن الركن اليماني إلى المنارة التي تلي أجياد الكبرى وبين الحزورة مائتا ذراع وثمانية أذرع، ومن الركن الأسود إلى المنارة مستمرة تلي المسعى والوادي من ناحية الصفا مائتا ذراع وثمانية وعشرون ذراعًا، وارتفاع جداره إلى السماء مما يلي المسعى ثمانية عشر ذراعًا، ومما يلي الوادي والصفا اثنان وعشرون ذراعًا، ومما يلي بني جمح اثنان وعشرون ذراعًا، ومما يلي دار الندوة سبعة عشر ذراعًا ونصف، وعدد شرفاته من داخله وخارجه أربعمائة وخمس وتسعون شرافة، هذا من خارجه، وعددها من داخله أربعمائة وثماني وتسعون شرافة، فجميعها ألف شرافة إلا سبع شرافات.
اعلم أن المسجد الحرام يطلق ويراد به عين الكعبة، كما في قوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة: 144]؛ إذ لم يقل أحد من المسلمين بالاكتفاء بالتوجه إلى استقبال المسجد المحيط بالكعبة، وهذا هو أصل حقيقة اللفظ وهو المعنيّ بقوله تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا}[آل عمران: 96]، وبقوله لما سأله أبو ذر عن أول مسجد وضع أول قال: "المسجد الحرام".
وقد يطلق المسجد الحرام ويراد به المسجد المحيط بالكعبة، وهو الغالب في الاستعمال على وجه التغليب المجازي، كما في قوله: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام".
وقوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[الإسراء: 1] على قول من روى أنه كان نائمًا في المسجد المحيط بالكعبة.
وقد يطلق المسجد الحرام ويراد به مكة والحرم بكماله، على قول من يقول: إن المراد بالمسجد الحرام مكة؛ لأنه كان نائمًا في بيت أم هانئ لما أسري به، وكما في قوله:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة: 196] على قول من يقول: إن المراد الحرم الخارج عن مكة بكماله، وهذا كله على وجه التغليب المجازي ولا ريب فيه، وإلا يلزم الاشتراك في موضوع المسجد الحرام والمجاز أولى منه، والله أعلم.
وأما صفة الكعبة فاعلم أن الكعبة البيت الحرام مربعة البنيان في وسط المسجد، ارتفاعها من الأرض سبعة وعشرون ذراعًا، وعرض الجدار وجهها الآن أربعة وعشرون ذراعًا، وهو الذي فيه بابها، وعرض مؤخرها مثل ذلك، وعرض جدارها الذي يلي اليمن، وهو فيما بين الركن اليماني والركن العراقي، وهو الذي فيه الحجر عشرون ذراعًا، وإلى وسط هذا الجدار كان يصلي النبي قبل هجرته إلى المدينة، وعرض جدارها الذي يلي الشام وهو الذي فيما بين الركن الشامي والركن الغربي أحد وعشرون ذراعًا، وميزاب الكعبة على وسطه يسكب في الحجر، ومن أصل هذا الجدار إلى أقصى الجدار ستة عشر ذراعًا، وعرض باب الحجر الشامي خمسة أذرع إلا شيء يسير، وعرض بابه الغربي ستة أذرع إلا شيء يسير، وجدار الحجر مدور من بابه الشامي إلى بابه الغربي كالطيلسان وعرضه ذراع، وارتفاعه من الأرض أربعة أشبار، والحجر الأسود في الركن العراقي المقابل لزمزم، وهو سبعة أشبار من الأرض، وباب الكعبة على أربعة أذرع من الأرض وعلوه ستة أذرع، وعرضه أربعة أذرع، وما بين الباب والحجر الأسود أربعة أذرع، ويسمى ذلك الموضع الملتزم؛ لأن رسول الله حين فرغ من طوافه التزمه ودعا فيه، ثم التفت فرأى عمر فقال:"ها هنا تسكب العبرات".
ومن الباب إلى مصلى آدم حين فرغ من طوافه وأنزل الله عليه التوبة(وهو موضع الخلوق ومن أزار الكعبة أرجح من سبعة أذرع)، وكان هناك موضع مقام إبراهيم، وصلى النبي عنده حين فرغ من طوافه ركعتين، وأنزل الله عليه:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}[البقرة: 125]. ثم نقله إلى الموضع الذي هو فيه الآن وذلك على عشرين ذراعًا من الكعبة؛ لئلاّ ينقطع الطواف بالمصلين خلفه، أو يترك الناس الصلاة خلفه لأجل الطواف حين كثر الناس، وليدور الصف حول الكعبة، ويُرى الإمام من وجهه، ثم حمله السيل في أيام عمر، وأخرجه من المسجد، فأمر عمر برده إلى موضعه الذي وضعه فيه رسول الله. وبين موضع الخلوق، وهو مصلى آدم وبين الركن الشامي ثمانية أذرع، ومن الركن الشامي إلى اللوح المرمر المنقوش في الحجر الذي بنى هناك ابن الزبير ركن البيت، وهو على قواعد إبراهيم تسعة أذرع، وفيما بين الحجر إلى مقام إبراهيم خمسة وعشرون ذراعًا، ويسمي ذلك الحطيم؛ لأنه يحطم الذنوب، أي يسقطها، وقيل: لأنه حطم من البيت، وقيل: لأن من حلف هناك كاذبًا انحصم دينه ودنياه. وما بين الركن العراقي وهو الذي فيه الحجر الأسود إلى مصلى النبي قبل هجرته إلى المدينة عشرة أذرع، وكان يستقبل بيت المقدس ويجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس؛ ولهذا لم يبنِ توجهه إلى بيت المقدس إلا لما هاجر إلى المدينة، وبين الركن اليماني وبين المسدود في ظهر الكعبة أربعة أذرع، ويسمي ذلك الموضع المستجار من الذنوب، وعرض الباب خمسة أذرع، وارتفاعه سبعة أذرع، وبينه وبين الركن الغربي ثلاثة عشر ذراعًا، وبين الركن الغربي وآخر قواعد إبراهيم -وهناك اللوح المرمر المنقوش- أزيد من سبعة أذرع، وإلى هناك بناء ابن الزبير، وقد قدمنا أن ارتفاع الكعبة سبعة وعشرون ذراعًا.
صفة المسجد الحرام المحيط بالكعبة
وأما صفة المسجد الحرام المحيط بالكعبة، فنقول: قد ذكر الأزرقي والماوردي والسهيلي -وفي كلام بعضهم زيادة على بعض-: كان المسجد الحرام، أعني المحيط بالكعبة، فناء لها وفضاء للطائفين، ولم يكن له على عهد رسول الله وأبي بكر جدار يحيط به، فضيق الناس على الكعبة، وألصقوا دورهم بها، وكانت الدور محدقة بالكعبة، وبين الدور أبواب يدخل الناس من كل ناحية، فلما استخلف عمر، وكثر الناس، قال: (لا بد لبيت الله من فناء، وإنكم دخلتم عليه ولم يدخل عليكم).فوسّع المسجد، واشترى تلك الدور وهدمها، وزاد في المسجد.
واتخذ للمسجد جدارًا قصيرًا دون القامة، وكانت القناديل توضع عليه، وكان عمر أول من اتخذ الجدار للمسجد الحرام.
ثم لما استخلف عثمان ابتاع منازل ووسعه بها، وبنى الأروقة للمسجد، فيما ذكر الأزرقي والماوردي وغيرهما.
ثم إن ابن الزبير زاد في المسجد زيادة كبيرة واشترى دورًا من جملتها بعض دار الأزرق، اشترى ذلك البعض ببضعة عشر ألف دينار وجعل فيها عمدًا من الرخام، ثم عمره عبد الملك بن مروان ولم يزد فيه، ولكن رفع جداره وجلب إليه السواري في البحر إلى جُدَّة، وسقّفه بالساج، وعمّره عمارة حسنة، ثم وسّع ابنه الوليد وحمل إليه أعمدة الحجارة والرخام، ثم زاد فيه المنصور، وجعل فيه أعمدة الرخام، وزاد فيه المهدي مرتين: إحداهما سنة ستين ومائة، والثانية سبع وستين ومائة، وفيها توفي المهدي، واستقر بناؤه إلى الآن.
وصف الرواق المحيط بالكعبة
وأما الرواق فنقول: إن له سقفين أحدهما فوق الآخر، وبينهما فرجة قدر الذراعين، أو نحوهما، فأما الأعلى منه فرش بالدوم اليماني، وأما الأسفل منهما، فهو مسقوف بالساج مزخرف بالذهب، وعدد أساطينه -وذلك من الرخام والحجر الأبيض، سوى ما جدد إلى دار الندوة وسوق الحيطة- أربعمائة وأربع وثمانون أسطوانة، بين كل أسطوانتين ستة أذرع، منها إلى الجانب الشرقي الذي يلي المسعى مائة أسطوانة وثلاث أساطين، وفي الجانب الشمالي مما يلي الصفا مائة أسطوانة وإحدى وأربعون أسطوانة، وفي الجانب الغربي مائة أسطوانة وخمس أساطين، وفي الجانب الشامي الذي فيه دار الندوة مائة وخمس وثلاثون أسطوانة، وفي وسط هذا الشق أو نحوه الذي يلي المسجد سارية خمس أساطين، ذكر أنها كانت ليهودية، فسامها النبي فيها، فأبت بيعها إلا بوزنها ذهبًا، ففعل النبي ذلك، فوضعت في ميزان ووضع مثقال واحد، فرجح المثقال ببركة رسول الله ، منها على باب المسجد اثنتان وعشرون، ومن ناحية المسجد ست، ومن ناحية الوادي والصفا عشر، ومن ناحية بني جمح أربع، ومن ناحية دار الندوة اثنتان، وفي دار الندوة سوى ما ذكرناه سبع وستون أسطوانة بالحجارة مبيضة، وطول كل أسطوانة منها عشرة أذرع، وتدويرها ثلاثة أذرع، وذرع ما بين كل أسطوانتين ستة أذرع ونصف، وعدد طاقاته -وهي الحنايا المعقودة على الأساطين أربعمائة طاق وثماني وتسعون طاقًا، سوى ما في دار الندوة، وذرع المسجد الحرام من باب بني جمح إلى باب العباس الذي عند العلم الأخضر -ويعرف بباب بني هاشم- أربعمائة ذراع وأربعة أذرع، وعرضه ما بين دار الندوة إلى باب الصف ثلاثمائة ذراع وأربعة أذرع، وذرع ما بين وسط جدار الكعبة الشرقي الذي يلي المسعى مائتا ذراع وثلاثة عشر ذراعًا، ومن وسط جدار الكعبة الغربي إلى جدار المسجد الغربي الذي يلي بني جمح مائة ذراع وتسعة وتسعون ذراعًا، ومن وسط جدار الكعبة الجنوبي إلى جدار المسجد الذي يلي الوادي مائة ذراع وأحد وأربعون ذراعًا، ومن وسط جدار الكعبة الشمالي الذي يلي الحجر إلى جدار المسجد الذي يلي دار الندوة مائة ذراع وتسعة وثلاثون ذراعًا، ومن ركن الكعبة العراقي -ويقال له الشامي- إلى المنارة التي تلي المروة مائتا ذراع وأربعة وستون ذراعًا، ومن ركن الكعبة الشامي -ويقال له الغربي- إلى المنارة التي تلي باب بني سهم -وهو باب العمرة- مائتا ذراع وثمانية عشر ذراعًا، ومن الركن اليماني إلى المنارة التي تلي أجياد الكبرى وبين الحزورة مائتا ذراع وثمانية أذرع، ومن الركن الأسود إلى المنارة مستمرة تلي المسعى والوادي من ناحية الصفا مائتا ذراع وثمانية وعشرون ذراعًا، وارتفاع جداره إلى السماء مما يلي المسعى ثمانية عشر ذراعًا، ومما يلي الوادي والصفا اثنان وعشرون ذراعًا، ومما يلي بني جمح اثنان وعشرون ذراعًا، ومما يلي دار الندوة سبعة عشر ذراعًا ونصف، وعدد شرفاته من داخله وخارجه أربعمائة وخمس وتسعون شرافة، هذا من خارجه، وعددها من داخله أربعمائة وثماني وتسعون شرافة، فجميعها ألف شرافة إلا سبع شرافات.
اعلم أن المسجد الحرام يطلق ويراد به عين الكعبة، كما في قوله تعالى:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة: 144]؛ إذ لم يقل أحد من المسلمين بالاكتفاء بالتوجه إلى استقبال المسجد المحيط بالكعبة، وهذا هو أصل حقيقة اللفظ وهو المعنيّ بقوله تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا}[آل عمران: 96]، وبقوله لما سأله أبو ذر عن أول مسجد وضع أول قال: "المسجد الحرام".
وقد يطلق المسجد الحرام ويراد به المسجد المحيط بالكعبة، وهو الغالب في الاستعمال على وجه التغليب المجازي، كما في قوله: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام".
وقوله تعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[الإسراء: 1] على قول من روى أنه كان نائمًا في المسجد المحيط بالكعبة.
وقد يطلق المسجد الحرام ويراد به مكة والحرم بكماله، على قول من يقول: إن المراد بالمسجد الحرام مكة؛ لأنه كان نائمًا في بيت أم هانئ لما أسري به، وكما في قوله:{ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة: 196] على قول من يقول: إن المراد الحرم الخارج عن مكة بكماله، وهذا كله على وجه التغليب المجازي ولا ريب فيه، وإلا يلزم الاشتراك في موضوع المسجد الحرام والمجاز أولى منه، والله أعلم.